الأداء العام للحكومة.. التاريخ لا يرحم (3) إتفاقية الوصاية

9 يوليو, 2020

بسم الله الرحمن الرحيم

إتفاقية الوِصَاية

عَرَضَ رئيس الوزراء امام مجلس الوزراء إتفاقية تم توقيعها بين حكومة المملكة العربية السعودية وحكومة الجمهورية اليمنية في مجال أعمال البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن في 26مايو2019م، الإتفاقية التي تم تصويرها على انها إتفاقية تعاون مشترك بين المملكة العربية السعودية وحكومة الجمهورية اليمنية في مجال التنمية والإعمار داخل الجمهورية اليمنية.

لقد عُرِضَتْ هذه الإتفاقية بعد التوقيع عليها والشروع في تنفيذها، في سابقة خطيره، حيث يعد هذا الاجراء مخالف للإجراءات الدستورية والقانونية خاصة وان الإتفاقية قد تجاوزت النصوص القانونية، إذ منحت إمتيازات خاصة لا يمكن منحها لبرنامج يهدف منه إعادة إعمار ما دمرته الحرب في اليمن، كما ان التوقيع على الإتفاقية بهذا الشكل يُعد إنتهاكاً لدستور الجمهورية اليمنية مما جعل الإتفاقية في حكم الباطلة وغير الدستورية.

أسست الإتفاقية لسابقة قانونية لم يسبقنا فيها أحد، حيث ورد فيها ان تطبق أحكام الإتفاقية على جميع المشاريع أو المساعدات التي بدأ البرنامج في تنفيذها قبل دخول الإتفاقية حيز التنفيذ، ولم تضع الإتفاقية أي اعتبار للأُسس القانونية والإدارية المنظمة لكل المشاريع ولكل المساعدات التي قُدِّمَتْ من قبل، خاصة وان الحكومة اليمنية لم تكن طرف في أي من المشاريع التي نفذها البرنامج السعودي.

قمة الإستخفاف بالحكومة اليمنية والإلتفاف عليها في تنفيذ المشاريع خارج إطار الدولة تم من خلال هذه الإتفاقية التي اجازت للجانب السعودي تقديم المساعدات بشكل مباشر من خلال بعثة البرنامج المقيمة في اليمن… ومنحت الحق للجانب السعودي في تنفيذ ما يرغب فيه، ودون علم الحكومة اليمنية ودون مشاركة منها، ودون إستشارتها، ودون تنسيق مسبق معها، بل إن التنفيذ يمكن ان يتم عبر طرف خارجي يحدده البرنامج السعودي وفقاً لما يراه مناسباً.

حل البرنامج السعودي محل الحكومة اليمنية في التعيين والتوظيف في الوظيفة العامة، حيث منحت الإتفاقية البرامج السعودي الحق في تعيين الموظفين لأداء الوظائف التشغيلية والتنفيذية و الإدارية، والزم الحكومة اليمنية باعتمادهم كموظفين في الخدمة المدنية، او إعتمادهم كموظفين لأي جهة يحددها الجانب السعودي.

ربطت الإتفاقية قبول المساعدات التي يمكن ان يقدمها أي طرف خارجي للتنمية في الجمهورية اليمنية بموافقة الجانب السعودي الذي إشترط أن لا تمر المساعدات لليمن إلا بعد التنسيق والتشاور مع الجانب السعودي، وألزمت الحكومة بان لا تُقْدِمْ على التوقيع مع أي مصدر آخر للتمويل إلا بتنسيق مسبق مع البرنامج السعودي، ليتجلى لنا مقدر السيطرة على القرار اليمني الذي تسعى السعودية إليه.

لقد تم نسف كل الإجراءات الحكومية القانونية النظامية المنظمة لتنفيذ المشاريع التنموية، و أُنيط بالبرنامج السعودي تحديد السياسات والمعايير والإجراءات المتعلقة بالمشاريع، واقتصر دور ممثل الحكومة في الاتفاقية (وزارة التخطيط) على تبليغ الجهات الحكومية اليمنية بتلكم السياسات والمعايير والإجراءات، و التنسيق مع مختلف الجهات الحكومية لضمان تسهيل وتنسيق إجراءات تنفيذ جميع المشاريع والمساعدات التي يحددها البرنامج السعودي داخل الجمهورية اليمنية، وعلى الجميع السمع والطاعة لما يُحدده البرنامج، خاصة وقد مُنح البرنامج السعودي الحق في انشاء الوحدات التنفيذية للمشاريع دونما تدخل من الحكومة اليمنية في ذلك.

جردت الإتفاقية الحكومة اليمنية من جميع الحقوق السيادية للمشاريع المنفذة في اليمن، حيث منح البرنامج السعودي حقوق براءات الإختراع والملكية الفكرية وحقوق النشر وأي حق ناشئ عن أي إكتشافات لصالح الجانب السعودي، والزمت الإتفاقية الحكومة اليمنية بتقديم البيانات والمعلومات اللازمة ذات الصلة بالمشروعات التي يتم تنفيذها أو التي يتم التخطيط لها من قبل الحكومة اليمنية، والهدف من ذلك هو تمكين الجانب السعودي من وأدْ أي مشروع لا يتوافق وتوجهات المملكة في السيطرة علي اليمن وحتي يستمر إذعان اليمن واليمنيين للهيمنة السعودية.

لقد وُضِعَتْ جميع بنود هذه الاتفاقية وليس فيها ما يمكن البناء عليه كإلتزامات ذات أثر قانوني على الجانب السعودي، حيث اقتصر إلتزام الجانب السعودي على إبلاغ الحكومة اليمنية بقائمة الجهات التنفيذية والشركات السعودية والموردين السعوديين، وعلى تزويد الحكومة اليمنية بأسماء أعضاء البعثة المقيمة في الجمهورية اليمنية، والتغييرات التي تطرأ على مراكزهم، وغيرها من البديهيات المتعارف عليها، حتى أن البنود التي وُضِعَتْ كإلتزامات على الجانب السعودي صِيغَت لصالح البرنامج السعودي وليس العكس.

منحت الإتفاقية (في سابقة لم تحدث في العالم) البرنامج السعودي ببرامجه ومشاريعه وأمواله وممتلكاته، وأموال مسؤوليه وموظفيه وممتلكاتهم، بما فيهم الممثل المقيم وجميع أعضاء بعثة البرنامج، والأشخاص المنفذون للخدمات والشركات السعودية التي يستعين بها البرنامج وموظفوها السعوديين، جميع الإمتيازات والحصانات المقررة للمبعوثين الدبلوماسيين، في مخالفه لجميع القوانيين وجميع الأعراف الدبلوماسية الدولية، خاصة وان الصفة الدبلوماسية وفقاً لإتفاقية فيّينا للعلاقات الدبلوماسية المبرمةعام 1961م، هي إتفاقية دولية حددت الإجراءات والضوابط الخاصة بالعمل الدبلوماسي بين الدول وبينت الحقوق والواجبات الخاصة بأفراد البعثات الدبلوماسية، وحدود ومفاهيم الحصانة الدبلوماسية، وهذا ما لا ينطبق على “البرنامج السعودي”، كما ان الإتفاقية منحت حق “الحصانات والإمتيازات اللازمة لكل المستندات والوثائق والأوراق والبرامج والملفات الإلكترونية والورقية والتطبيقات التقنية … الخ، بالإضافة إلي منح الحصانات والإمتيازات اللازمة لجميع الأشخاص غير السعوديين وأموالهم وممتلكاتهم ممن يؤدّون الخدمات نيابة عن البرنامج وهذا يتعارض مع الدستور والقانون.

شرع السفير السعودي في توقيع الإتفاقيات التنفيذية مع جهات سعودية مستنداً على إتفاقية إعادة الإعمار، حيث تم التوقيع على إتفاقية حفظ التراث اليمني والذي وقعها السفير آل جابر مع الأمين العام لدارة الملك عبد العزيز، بهدف المحافظة على الوثائق والمخطوطات التاريخية لليمن، بالإضافة إلي توقيع إتفاقيات أُخري تمت جميعها بين البرنامج السعودي وبين جهات كلها جهات رسمية سعودية ودون مشاركة الحكومة اليمنية في التوقيع على تلك الإتفاقيات، وكأن الامر مُناط بتنفيذ مشاريع وبرامج خاصة لمحافظات سعودية.

لقد استدعت امانة المسؤولية منا الإعتراض على هذه الإتفاقية التي جردت الحكومة اليمنية من حقوقها في تحديد أُسس التعامل مع عملية الإعمار، وانتقصت من الحق السيادي للجمهورية اليمنية، ولم تضع الإتفاقية أي إعتبار للقوانين الناظمة للأعمال في الجمهورية اليمنية، كما أن الإتفاقية لم تضع أي إعتبار لعملية الإشراف والرقابة المشتركة بين الطرفين، ولم تتطرق الإتفاقية إلى تحديد أُسس تمويل المشاريع، وغابت المواد الحاكمة للشفافية، وأسست الإتفاقية للوصاية المطلقة على اليمن … فهل من مدكر.

وللحديث بقية…

والله الموفق،،،
نبيل حسن الفقيه
9 يوليو 2020م