الأداء العام للحكومة.. التاريخ لا يرحم(1) الحكومة من بوابة البرلمان

3 يوليو, 2020

إضغط على الصورة لتكبير الوثيقه

بسم الله الرحمن الرحيم

الحكومة من بوابة البرلمان

ضربت الجائحة الحوثية المعالم السياسية والاجتماعية والاقتصادية في اليمن، وأهلكت الجائحة الحوثية الحرث والنسل، وأكلت الحرب الأخضر واليابس، ودخلت اليمن في نفق مظلم لا يلوح في الأفق له نهاية، وأحال الصراع الذي يشهده اليمن حياة ملايين اليمنيين إلى كابوس مزعج، واتجهت الأنظار نحو الشرعية لإحداث التغيير، ووضع حد لحالة الإنهيار لكل مقومات الدولة.

طال أمد الحرب و امدت آثارها السلبية إلى كل مناطق اليمن، جنوبها وشمالها، شرقها وغربها، بعد ان دخل تحالف دعم الشرعية اليمن من الباب الواسع، و وضعت اليمن على مفترق طرق لم تستطع الحكومة الشرعية السير فيه، ففقدت الحكومة الشرعية قدرتها على القيام بواجباتها الدستورية والقانونية، وعانت اليمن من فراغ حكومي، ومن ترهل كبير في كل مفاصل الدولة، وأضحت الحكومة الشرعية حكومة مشلولة ليس لها من الأمر شيئاً، حكومة بيانات وشعارات لا أعمال وانجازات، حكومة ينتظر رئيسها التوجيهات والاوامر التي تصله من السفير “آل جابر” ليصدر بيان شجب وادانه، وينصاع للإملاءات التي تُساق له، وليس له من الامر شيء، سوى التحرك في مربعات لا تتجاوز مساحتها مساحة حديقة منزل السفير السعودي في اليمن.

عملت مع الحكومة الشرعية ما بين (2018-2020)، وآثرت الإستقالة منها، خاصة بعد أن أدركت أن الحكومة قد عجزت عن القيام بأعمالها وفقاً للمفهوم الواسع لمهام الحكومة والتي تعني “قيام الحكومة بممارسة السلطة التنفيذية على كامل التراب اليمني، وإدارة وتنظيم شؤون الدولة الإدارية والمالية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، والحفاظ على السلم الاجتماعيّ، وبسط نفوذ الدولة وتحقيق الامن والاستقرار وحماية الدولة من أي عدوان خارجي”.

و إستناداً لذلك فان الحكومة تعد المسؤولة عن وضع السياسة العامة للدولة والمجتمع بأكمله، وتصبح الحكومة مسؤولة امام الهيئة التشريعية التي تمنحها الثقة للسير في تنفيذ برامجها وخططها لتحقيق الأهداف المرجوة منها، وتصبح الحكومة ملزمة امام البرلمان في تحقيق تطلعات الامة والعمل وفقاً لتوصيات البرلمان… فهل هذا الذي تم ويتم مع الحكومة اليمنية!؟!

سوف أتناول من خلال سلسة مقالات (الأداء العام للحكومة … التاريخ لا يرحم) بعضاً من القضايا التي وضعت أمام رئيس الحكومة وكانت سبباً في التباين في وجهات النظر، و في الكيفية التي يجب ان تُنتهج لتسيير أعمالنا بمجلس الوزراء.
مع التأكيد هنا أن كل ما سيتم تناوله في هذه المقالات هي حقائق موثقة ولا يمكن إنكارها، وكما سبق ان اشرت في مقال سابق من ان التكنلوجيا و وسائل التواصل لم تترك لاحد مساحة للإنكار او للتواري خلف لوحة “لم يصلني ذلك”.

و للخوض في ثنايا الحقيقة سوف أبداء من البوابة التي يجب أن تنطلق منها أي حكومة، وفقاً للإجراءات الدستورية والقانونية … فنبدأ من بوابة البرلمان التي يجب ان تنطلق منها الحكومة لتنفيذ مهامها بعد نيلها للثقة، وهو مالم يتم، اذ تجاوز البرلمان عدم تقديم الحكومة لبرنامجها تقديراً للظروف السياسية التي تمر بها الدولة، وعلى أساس أن تلتزم الحكومة بجملة التوصيات الصادرة عن مجلس النواب، و تشرع في تنفيذ موازنة الدولة، و بالتالي فقد منحت الحكومة صك العبور من خلال إقرار الموازنة العامة للدولة للعام المالي 2019م، و كخطوة تُحسب للحكومة وللبرلمان خاصة إذا علمنا انه ومنذ 2014م لم يتم إقرار أي موازنة للدولة فكانت هذه الخطوة مؤشر إيجابي لجدية الحكومة الشرعية في إرساء أُسُسْ الدولة وفقاً للنظام والقانون المستمد من الدستور.

استبشر الجميع الخير بعد أن أقر البرلمان مشروع الموازنة، و وضع البرلمان أمام الحكومة جملة من التوصيات الواجب القيام بها لضمان تصحيح الإختلالات ومعالجة الثغرات والمضي لإستعادة الدولة لمكانتها التي فقدتها منذ خروجها من العاصمة صنعاء، بعد إنقلاب الحوثيين على السلطة، وألزم البرلمان الحكومة بتنفيذ تلك التوصيات فكيف كان الوضع بعد الخروج من قبة البرلمان.

لم أجد في توصيات البرلمان ما يمكن ان يطلق عليه (التوصيات التعجيزية)، إذ انصبت كل توصيات البرلمان في إتجاه الدفع بالحكومة للعمل كحكومة دولة تسعى لتثبيت نفسها كحكومة شرعية امام المجتمع الدولي والإقليمي والمحلي، وفق الضوابط الدستورية والقانونية التي تحكم أداء الوزارات والهيئات والمؤسسات للمهام المناطة بها، والعمل على التخفيف من حالة الإحتقان والحنق المجتمعي تجاه الحكومة التي عجزت عن ممارسة دورها كسلطة حاكمه.

فهل نجحت الحكومة في ذلك؟!؟
وللجواب على هذا السؤال … أجد أنني مُلزم بوضع الجميع أمام جملة من القضايا التي أوصى البرلمان بتنفيذها وأخفقت الحكومة فيها.

لقد وُضِعَتْ أمام رئيس الوزراء ورقة عمل تتضمن جملة من الخطوات التي يُمكن أن نسير عليها في الحكومة لتنفيذ التوصيات على أمل ان يُناقش المجلس تلك الخطوات، إلا أن ذلك لم يحدث وكان الإتجاه نحو الغموض في تنفيذ الموازنة العامة للدولة والسير نحو المجهول بالدولة اليمنية.

فاذا كانت أول خطوات الحد من الفساد المستشري في ثنايا الحكومة الشرعية ينطلق من زاوية تنفيذ الموازنة العامة للدولة 2019م، و المُقرة من البرلمان، وفق الأُسُسْ القانونية، وبما يضمن توظيف الأموال (رغم شحتها) التوظيف المثالي، ووضع الآليات التنفيذية بشفافية عالية، وإن أول خطوات التنفيذ تنطلق من خلال تشكيل اللجنة العليا للمناقصات لضمان تنفيذ المشتريات وإجراء المناقصات وفقاً للأسس القانونية المنظمة لذلك، حيث أخفق الأخ رئيس الوزراء في تنفيذ ذلك، وكانت السمة السائدة عند إثارة هذا الأمر، هو التأجيل الغير مبرر كما هي العادة في كل المواضيع التي يتم وضعها امام رئيس الوزراء.

نظراً لإنهيار الريال اليمني وما صاحب ذلك من تضخم فان الأهمية كانت تقتضي تعديل اللائحة التنفيذية للقانون رقم (23) لسنة 2007م، و قرار رئيس مجلس الوزراء رقم (53) لسنة 2009م، بشأن اللائحة التنفيذية للقانون رقم (23) لسنة 2007م، بشأن المناقصات والمزايدات والمخازن الحكومية، والذي يتضمن بنود الصلاحيات والسقوف المالية، وذلك بعد إقرار البرلمان للموازنة، حيث يجب ان تتوافق الصلاحيات والسقوف المالية مع نسبة التضخم التي حدثت للعملة، والتي جَرّتْ نفسها على ارتفاع مختلف الأسعار للسلع والخدمات، وبما يمكن السلطات المركزية والسلطات المحلية من أداء دورها في تنفيذ المشاريع بعيداً عن البيروقراطية؛ إلا ان ذلك لم يتم، ولم يَعر رئيس الوزراء أي إهتمام لهذا الامر، و أوجد هذا التجاهل مساحة للفساد والإفساد، أو مساحة لتجاهل تنفيذ المشاريع، مما فاقم من حالة الإمتعاض من أداء الحكومة لدي جُل مكونات المجتمع.

وضع البرلمان أمام الحكومة مهمة تفعيل الأجهزة الرقابية المختلفة (هيئة مكافحة الفساد / الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة/ الهيئة العليا للرقابة على المناقصات/….. الخ)، وفي هذا الصدد كان من الأهمية إعادة تشكيل هيئة مكافحة الفساد، على ان يسبق ذلك وضع الآلية المناسبة لإعادة تفعيل مجلس الشورى ليقوم بدوره في ذلك وفق الأسس القانونية، بالإضافة إلى تشكيل الهيئة العليا للرقابة على المناقصات وفقاً للقانون، مع تفعيل الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، فأين كانت الحكومة من كل ذلك، سؤال للأسف لا يمكن لرئيس الحكومة الإجابة عليه.

وللحديث بقية..

والله الموفق،،،
نبيل حسن الفقيه
3 يوليو 2020م

الرجوع إلى أعلى الصفحة