بسم الله الرحمن الرحيم
الحكومة وسقوط عدن
تُواجهه الشرعية تحدي إستعادة مؤسسات وأجهزة الدولة وبسط نفوذها على جميع تراب الوطن عموماً، وفي المحافظات والمناطق المحررة خصوصاً، ومع حجم التحديات والعوائق سواء المحلية منها أو الخارجية فإن الأمل في تحقيق قفزة نوعية في مجال تحسين الخدمات وبسط نفوذ سلطة الدولة هو الهدف الذي كان يجب أن تعمل الحكومة عليه، وهو مالم يتم.
الكل يُدرك أن ضعف أداء الحكومة على المستوى المركزي (وزارات، ومؤسسات) ظهر في عدم قدرتها على القيام بأداء دورها المؤمل في العاصمة المؤقتة عدن، مما انعكس سلباً على كل مناحي الحياة في عدن وفي المحافظات والمناطق المحررة، مع غياب واضح وضعف في مجال تقديم الخدمات في جُل المحافظات والمناطق المحررة نتيجة إنعدام الرؤية و شُح الموارد المالية والذي إنعكاس في عدم قدرة السلطات المحلية على أداء دورها بالشكل المطلوب.
لقد أثبتت الأحداث التي مرت في محافظة عدن أن جميع المواطنين تواقين لدولة النظام والقانون، و أن وقوفهم مع الشرعية الدستورية ومع الأمن والإستقرار هو الخيار المثالي والخيار البديل عن الفوضى والتخريب.. إلا أن ما يؤسف له هو عدم وقوف الحكومة مع نفسها.
والسؤال هنا يضع نفسه، كيف وقفت الحكومة أمام الأحداث التي وقعت في العاصمة المؤقتة عدن، بعد التمرد الذي قامت به المليشيات المسلحة التابعة للمجلس الانتقالي، وما تلي ذلك من قيام المتمردين من اعمال نهب وسطو وتهجير لأبناء المحافظات الشمالية، و اعمال تخريبية و إعتداءات طالت مؤسسات ومصالح الدولة.
وهنا يجب أن نعترف أن التهاون والهوان هو العنوان الأبرز للحكومة في تلكم المرحلة، وبعد أن عجزت الحكومة في تقديم النموذج الإيجابي للدولة في المناطق المحررة، مما مهد الطريق أمام مليشيات المجلس الانتقالي للإنقلاب على الدولة.
تباينت ردود الأفعال في مجلس الوزراء جراء الموقف السلبي الذي تبنته الحكومة، خاصة بعد أن تعرض الجيش الوطني لضربات الطيران الإماراتي على مشارف عدن، فلقد أجمع جميع من في الشرعية على تحميل دولة الإمارات كامل المسؤولية تجاه ما حدث بعد أن أوغلت الإمارات في تجبرها على الشرعية، وجنت على الجيش الوطني الذي دخلت في تحالف دعم الشرعية لنصرته.
إتجهت الأنظار نحو الحكومة، و أنتظر الجميع أن يخرج مجلس الوزراء بموقف ينم عن حس وطني تجاه ما حدث، موقف يقدر خطورة ما يقوم به المجلس الإنتقالي ومن خلفة دولة الأمارات الداعم الأساسي للتمرد في عدن.
للأسف لم تُدرك الحكومة اليمنية ما يحاك لها، ولم تعيّ الشرعية أنها تَدُكْ مسامير نعوشها بهوانها وضعفها الغير مبرر، فقد أخفقت الحكومة عندما طرح هذا الأمر للنقاش في مجلس الوزراء، واتجه رئيس الحكومة لتشكيل فريق لصياغة بيان هزيل لم يرتقي لمستوي الحدث، خاصة و أن البيان لم يتضمن القرار المفترض تبنية وهو إنهاء دور دولة الإمارات في تحالف دعم الشرعية… (رفضت هذا البيان بخطاب رسمي في حينها).
تباينت ردود الأفعال في الحكومة عند غياب هذا القرار من البيان، فكان الإتجاه أن تُصاغ رسالة موجة من الحكومة للرئيس هادي، تطلب فيه الحكومة من الرئيس إتخاذ الإجراءات القانونية لأنهاء دور الإمارات في اليمن، وتفويض رئيس الوزراء في ذلك… ومرة أخرى يُخفق رئيس الوزراء في ذلك ويمتنع عن إرسال الرسالة، فكان أن تم تبني مجموعة من الوزراء للرسالة التي بُعِثَتْ لرئيس الجمهورية، والتي بين فيها الوزراء أهمية القيام بخطوات حاسمة لإعادة ترتيب الملف اليمني والوقوف أمام ما تقوم به دولة الإمارات، و أهمية وضع الأُسُسْ الضامنة لإعادة ترتيب العلاقة فيما بين اليمن ودول التحالف العربي، من خلال خلق علاقة إستراتيجية تضمن أُسُسْ للمشاركة في كل ما له صلة بالملف اليمني، مع أهمية توجيه رسالة رسمية لقيادة المملكة العربية السعودية يطلب فيها أنهاء مشاركة دولة الإمارات في تحالف دعم الشرعية في اليمن، كون المملكة هي من دعت الإمارات للدخول في هذا التحالف، مع أهمية الإستناد لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، خاصة القرار 2216، و إشعار مجلس الأمن ومطالبته بالوقوف أمام تداعيات ما تقوم به دولة الإمارات في اليمن، وكذا المطالبة بسحب سفير بلادنا من دولة الإمارات العربية المتحدة وتعليق العلاقة بين البلدين.
بالإضافة إلى إتخاذ الخطوات التي عجزت عن أداءها الحكومة، ومنها العمل مع الأشقاء في المملكة العربية السعودية لدمج الوحدات العسكرية النظامية في إطار وزارتي الدفاع والداخلية، وتسلم وزارة الدفاع كل المعسكرات التي إستولت عليها مليشيات ما يسمى المجلس الانتقالي، ورفع الغطاء القانوني عن كل من تم تعيينهم بقرارات جمهورية ممن قاموا بالتمرد على الشرعية، وتصنيف قادة التمرد الذين شاركوا في التمرد على الشرعية في عدن كمعرقلين وفقاً لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، مع إحالة ملفات إنتهاكات حقوق الانسان للسلطات القضائية، وتمكين وحدات الجيش للقيام بواجباتها في مختلف الجبهات لإنهاء الإنقلاب الحوثي، وتوفير الدعم اللوجستي والمادي لذلك.
لم تُحدِثْ تلك الرسالة أي ردود أفعال من مؤسسة الرئاسة، إلا أن ردود الأفعال من مختلف أطياف المجتمع اليمني إرتفعت تجاه ما حدث على مشارف عدن، وتوالت المواقف الرافضة لما تقوم به الإمارات في اليمن، مما أدى إلى إعلان خروج الإمارات من عدن، ولتضع الإمارات بعد ذلك كل ثقلها على المجلس الإنتقالي لفرض سياسة الأمر الواقع في المحافظات المحررة، ولتدعم بشكل واضح المليشيات المسلحة التي تُنشئاها في مختلف المحافظات اليمنية المحررة خارج نطاق إدارة المؤسسات الرسمية الشرعية، و تنتشر تلك المليشيات الغير نظامية لتمارس العنف ضد كل من يخالف أهواء القادة الإماراتيين، مما خلق حالة من العداء الظاهر والخفي لكل ما له صلة بالتحالف بشكل عام وبدولة الإمارات بشكل خاص.
لقد بلغ الأمر مبلغة بعد أصدر مجلس الوزراء لبيانه الهزيل، البيان الذي مهد الطريق للمجلس الإنتقالي لتقويض الأمن والإستقرار في المناطق المحررة، و وضع أول خطوات القبول بالضغط السعودي للقبول بالحوار مع المتمردين في المجلس الإنتقالي.
سعت السعودية بعد ذلك لفرض إتفاقية الرياض بعد سلسلة من المباحثات والتي إستمرت لأشهر، وكان الشد والجذب وطرح المبادرات وتعديلها يتم وفقاً لما تُمليه وتضغط به الإمارات على السعودية، ولِتُتَرجِم السعودية ضغوط الإمارات عليها بالضغط على الشرعية للقبول بما يُطرح لها دونما قيد أو شرط.
ضن الجميع أن إتفاقية الرياض قد جات لمعالجة آثار الإنقلاب الذي نفذه المجلس الانتقالي الجنوبي ضد الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، إلا أن واقع الحال بعد التوقيع على الإتفاقية كان يُشير إلى غير ذلك، ففي حين أن إتفاقية الرياض نصت على تنفيذ حزمة من الإجراءات السياسية، وأخرى أمنية وعسكرية، وفق تسلسل زمني معين، إلا أن أياً منها لم يُنفذ، حيث إلتف المجلس الإنتقالي على إتفاق الرياض، وعلى المصفوفة التنفيذية التفصيلية المُتفق عليها، ورفض السير في التنفيذ المُزَمن، و ليعود السفير السعودي لممارسة سطوته على رئيس الحكومة، فيرضخ لشروط الإنتقالي، ويعود للعاصمة عدن مع مجموعة محددة من أعضاء مجلس الوزراء وليقتصر دوره على صرف المرتبات فقط.
لقد بدت الحكومة الشرعية بعد التوقيع على إتفاقية الرياض في أسوأ حالاتها، وظهرت عليها علامات الوهن والضعف، وعدم القدرة على تسيير أمور الدولة، وهذا ما كانت تسعى إليه الإمارات وتُمهد له، لتكون خطوتها التالية توجيه الإنتقالي لإعلان الإدارة الذاتية، في خطوة تعد إنهاء لإتفاقية الرياض.
كرر التاريخ نفسه… ونفذ المجلس الإنتقالي كل خطوات الإنقلاب على الشرعية بدقة تماثل دقة الحوثيين في تنفيذ إتفاقية السلم والشركة، والفارق هُنا أن إتفاقية السلم والشراكة وضع خطوطها سفراء الدول الخمس بمجلس الأمن، وهندس تنفيذها المبعوث الأممي لليمن “جمال بن عمر” بهدف تمكين الحوثيين من السيطرة على مقاليد السلطة، في حين أن إتفاقية الرياض رسمت ملامحها دولة الإمارات، وهندس لتنفيذها السفير السعودي لليمن لتمكين الإنتقالي من السيطرة على جنوب اليمن.
لقد بَيّنتْ في المقالات الخمسة التي نشرتها تحت عنوان (الأداء العام للحكومة.. التاريخ لا يرحم)، بعضاً من القضايا والحقائق الموثقة عن الأداء العام للحكومة، ورغم أن هناك المزيد والمزيد مما يُمكن أن يُسرد وتُوَضَحْ حقائقة، إلا أنني سوف أكتفي حالياً بما نشرت، على أمل أن يتغير حال الحكومة ويتحسن الأداء إلى الأفضل عندما يُشرع في تنفيذ إتفاقية الرياض.. (و إن كُنت أجزم أن ذلك لن يحدث).
والله الموفق،،،
نبيل حسن الفقيه
16 يوليو 2020م