تحديث المذاهب اولوية اسلامية قصوى

15 أبريل, 2023

بسم الله الرحمن الرحيم

يتفق المسلمون جميعًا على وحدة الدين الإسلامي، ولكنهم يختلفون في التفسير والفهم والتطبيق لبعض النواحي والتفاصيل ، فكان ان ظهرت المذاهب الاسلامية التي اجتهد العلماء في تفسير النصوص القرآنية وفي الاحاديث النبوية الشريفة، لقد شجع الإسلام المسلمين على التفكير والبحث العلمي، وحثهم على تقبل الاختلاف والتنوع في الرأي والتفسير، وشجع المسلمين على الاستفادة من قدراتهم العقلية للبحث عن المعرفة والحقيقة. فقد أمر الله تعالى المسلمين بالتفكر والتدبر في آياته قال تعالى  “أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا” (سورة الأنبياء، الآية ٤٤).

و أكد الإسلام على أن الرأي الذي يتفق مع الحقيقة هو الرأي الصحيح، وأن الناس لديهم حرية التفكير والاعتقاد، فكان ان اسس لتقبل الاختلاف والتنوع في الرأي والتفسير، قال تعالى  “وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ” (سورة يونس، الآية ١٠٩) ، وكان النبي محمد صل الله عليه وسلم يحث أصحابه على التعايش مع الآراء المختلفة والتفسيرات المتعددة.

مما هو معلوم ان جميع المذاهب الإسلامية لها جذورها التاريخية ولها مرجعياتها العلمية، ومرت على مر الزمان بمراحل تحديث وتطوير من قبل علماء كبار، واصبح الفقه الاسلامي في المذاهب الاسلامية بمثابت الثابت الغير قابل للنقاش وهذا امر غير صحيح ، اذ ان الثابت هو القران الكريم، والاحاديث النبوية الشريفة الصحيحة ، اذ ان من قاموا بانشاء المذاهب هم في  الاخير بشر كان لهم اجتهاداتهم القابلة للخطأ والصواب، ولذا يجب أن نفهم أن المذاهب الإسلامية ليست مطلقة الصحة، وأنها استندت عند التفسير للاراء والاجتهادات و التي قد تكون خضعت للنقاش و للمناقشات و للاختلاف بين العلماء في ذلك الزمان … وعلى ذلك فإنه من المهم النظر بموضوعية إلى اهمية التفكير في اصلاح وتحسين وتحديث مختلف المذاهب بشكل مستمر وفق أسس علمية منهجية يتفق عليها كبار العلماء في وقتنا المعاصر.

ان الاجتهاد في تنقيح المذاهب واعادة دراستها و الفهم الواسع و العميق للمذاهب و للاختلاف بينها هو المدخل لتعزيز الوحدة بين المسلمين و تحقيق العدالة الاجتماعية ،كما و ان دراسة النصوص الإسلامية وتطبيقها يجب ان تتناسب مع واقعنا المعاصر، وهذا من شانه أن يساعدنا كمسلمين على تحسين فهمنا للإسلام و للمذاهب الاسلامية المختلفة و سيساعدنا كذلك للوصل إلى أفضل الحلول للمشكلات التي تواجهنا كمسلمين في عصرنا الحالي.

يدرك الجميع إن عملية مراجعة المذاهب الإسلامية وتحديثها وتوحيد الفقه الإسلامي هي عملية شاقة ومعقدة تحتاج إلى تعاون وجهود كبيرة من قبل العلماء والفقهاء والمفكرين المسلمين، بحيث يتم تحديث المذاهب بناءً على التحولات الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية في المجتمع الإسلامي المعاصر.

كما ان بذل الجهود للوصول إلى أرضية مشتركة تزيل الاختلاف بين أتباع المذاهب الإسلامية هو أمر مهم وضروري، ويجب أن يكون هدفاً رئيسياً للعلماء والفقهاء والمفكرين المسلمين، ومن خلفهم الحكومات الاسلامية بحيث يتم التركيز على المبادئ والقيم الإسلامية المشتركة بين جميع المذاهب الإسلامية، مثل التوحيد والعدل والمساواة والرحمة والمودة والتسامح، وعلى المبادئ الأساسية والقواعد الشرعية العامة التي تتناسب مع مختلف الظروف، بحيث يتم دراسة النصوص الإسلامية بعمق وتحليلها بمنهجية علمية، واستخلاص الأحكام الشرعية وتحديد حدود الرأي الشرعي فيها.

من الاهمية العمل على توحيد المصطلحات والمفاهيم الفقهية، وتوضيح الأحكام الشرعية بشكل دقيق وواضح، ووضع الضوابط التي يمكن معها إدراج العوامل المعاصرة في البحث والدراسة لتحديد ما يتناسب مع الواقع الحالي للمجتمع الإسلامي، مع ضرورة تعزيز الحوار والتفاعل بين العلماء والفقهاء من مختلف المذاهب والمدارس الفقهية لتبادل الأفكار والآراء وصولاً إلى حلول شرعية موحدة ومتفق عليها، وبهذه الطريقة يمكن للعلماء والفقهاء والمفكرين المسلمين العمل على توحيد الفقه الإسلامي وتقريب وجهات النظر بين أتباع المذاهب الإسلامية، وصولاً لايجاد مذهب جديد يتفق و المصالح المشتركة لعموم المسلمين.

لابد ان يعى الجميع اهمية التشجيع على الحوار البناء والمفتوح بين أتباع المذاهب الإسلامية، وتبادل الآراء والأفكار والمعارف بينهم، وتعميق فهم الإسلام وتعريف الناس بالقيم الإسلامية الحقيقية، مع تعزيز الوعي بأهمية التعايش والتعاون والتسامح بين أتباع المذاهب الإسلامية، ورفض التطرف والتعصب الذي يؤدي إلى الانقسام والتفرقة بين المسلمين.

وهنا لابد من الاشارة الى اهمية دور المؤسسات الإسلامية المختلفة، مثل المساجد والمدارس الإسلامية والجمعيات الإسلامية والمراكز الثقافية، والتي يجب أن تسعى إلى تحقيق هدف توحيد الفقه الاسلامي  بين المذاهب الإسلامية، من خلال تنظيم الانشطة الثقافية والتعليمية والحوارية، وفتح المجال للعلماء والفقهاء بمختلف مذاهبهم لاداء دورهم في تحقيق التقارب بين المذاهب الإسلامية، من خلال تبني منهجية واضحة ومتوازنة في التعامل مع الفروق الفقهية، والعمل على تبسيط الأحكام الشرعية وتبادل الآراء والأفكار بينهم.

كما وان لوسائل الاعلام التقليدية ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة دورها في تقديم المعلومات الصحيحة والموضوعية حول الإسلام والمذاهب الإسلامية، وتشجيع الحوار والتفاهم بين أتباع المذاهب المختلفة، وتشجيع التعاون والتعاطف بين المسلمين، و العمل على توفير منصات للحوار وللنقاش المفتوح بين علماء المذاهب الإسلامية وتشجيعهم على المشاركة فيها بنشاط، و تبني منهجية علمية وموضوعية في المناقشات المختلفة، على ان تشمل هذه المناقشات العديد من الموضوعات المسائل الفقهية والأصولية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، بحيث يمكن استخدام نتائج تلكم الحوارات كأساس لتأسيس مذهب إسلامي جديد يتوافق مع العصر الحديث ويحقق توافقًا وتعاونًا بين المسلمين.

رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ

 ،، والله من وراء القصد ،،

نبيل حسن الفقيه
15 أبريل 2023م