بسم الله الرحمن الرحيم
بعد مرور ثمان سنوات من الحرب والصراع ، وبعد كل الدمار والخراب الذي حل باليمن، شهد اليمن تحول دراماتيكي في واقع الصراع قادته المملكة العربية السعودية في سبيل إيقاف الحرب، وتعاضدت مساعيها و توجهاتها مع الدعوات التي قادها المبعوث الأممي الي اليمن، اذ أدت هجمات الحوثيين بالطائرات بدون طيّار على منشآت النفط السعودية الى تسريع وتيرة الاتصال والتواصل فيما بين الحوثيين والسعوديين عبر الوسيط العماني للوصول الى هدنه، ما لبثت تلك الاتصالات الغير مباشرة ان تحولت الى حوار مباشر بين الطرفين السعودي والحوثي لبحث السلام في اليمن في ظل غياب تام للحكومة الشرعية التي عجزت عن تحقيق توازن في علاقاتها مع التحالف مما أدى الى تجاهل السعودية لكل مكونات الشرعية اليمنية والذهاب نحو مباحثات سلام مع الحوثيين بشكل منفرد، مستندة الى ان القيادات السياسية اليمنية المناوئ للحوثيين بمختلف توجهاتها تمر بمرحلة ضعف ووهن تجعلها تسير في الطريق الذي سترسمه المملكة العربية السعودية دونما أي اعتراض.
والسؤال هنا يضع نفسه … هل سيصل اليمنيين الى سلام عادل او الى استسلام للحوثيين… وهل سيقبل الحوثي بالسلام، وماهي فاتورة هذا السلام؟؟… أسئلة تحتاج الى تمعن في الإجابة عليها من مختلف الأطراف السياسية.
يعتبر تحقيق السلام في اليمن أمراً صعباً ومعقداً نظراً لتعقيدات الوضع السياسي الذي تشهده اليمن منذ سنوات طويلة، والتدخلات الخارجية المتعددة في الصراع، وتباين المصالح السياسية والاجتماعية بين مختلف الأطراف.
لذا فإن تحقيق السلام في اليمن يتطلب إيجاد حلول سياسية ودبلوماسية ومصالحة مجتمعية، وتقديم التنازلات من مختلف الأطراف للوصول الى أرضية تساعد على تحقيق السلام العادل لكل اليمنيين، وتظل قضية تسليم السلاح وفك الارتباط العسكري لجماعة الحوثي هي المعضلة التي قد تعيق الوصول الى هذه الأرضية، اذ ان نزع السلاح الثقيل والمتوسط من ايدي المليشيات الحوثية وغيرها من الجماعات المسلحة التي تنشط خارج إطار مؤسسات الدولة جزء أساسي من أي اتفاق للسلام في اليمن، وان بناء
وتعزيز الثقة والاحترام المتبادل فيما بين مختلف الأطراف لن يتحقق الا بالاتفاق اولاً على آلية لنزع السلاح، ومن ثم التركيز على الحوار والتفاوض وذلك لتجنب اللجوء إلى العنف والتهديدات حيث لا تفاوض ولا حوار والزناد على السلاح.
من المؤكد ان الحوثيين يستخدموا دعوات السلام كتكتيك مرحلي، خاصة وان طبيعة حضورهم الذي اكتسبوه خلال الأعوام الماضية بعد سيطرتهم على مقدرات الدولة وحصولهم على السلاح المتطور، وتعصبهم الطائفي المتشدد، وادعائهم بالحق الإلهي في “الولاية”، كل ذلك يؤكد ان جماعة الحوثي لن تقبل بالندية في أي حوار يكونوا فيه مجرد طرف من الأطراف السياسية اليمنية الأخرى، وان قبولهم بما يطرح من السعوديين مرده الاساسي هو الخروج من مأزق الحرب والعزلة الدولية التي ضاقت عليهم.
كما وان اندفاع السعودية نحو تصفير المشاكل هو الهدف الاستراتيجي الذي تسعى اليه المملكة، خاصة بعد الاتفاق السعودي الإيراني، والذي تمخض عن توقيع اتفاقية اعادة العلاقة بين الطرفين كخطوة مبنية على تفاهمات سياسية منها اقفال ملف الحرب في اليمن، متخلية عن كل المبادئ التي حكمت علاقاتها باليمن خلال السنوات الثمان الماضية، والمضي نحو تحقيق السلام في اليمن، والخروج من المستنقع اليمني باقل الاضرار الممكنة، وتقديم نفسها كوسيط بين اليمنيين لفرض الحلول التي تتفق وصالحها دون النظر لمصالح الحكومة الشرعية التي دخلت السعودية الحرب لنصرتها.
يتطلب إقناع الحوثي بالشراكة السياسية وبالحلول السلمية من خلال الحوار والتفاوض، والمشاركة الديمقراطية في السلطة جهد كبير نظراً للتركيبة الأيدلوجية التي عليها هذ الجماعة، فالحوثية … حركة سياسية تنتمي أيدلوجياً إلى الجارودية التي تقول بوجوب الإمامة حصرا في البطنين “أبناء الحسن والحسين”، وهي كحركة سياسية وعسكرية ومذهبية لن تنتهي ولن يتم القضاء عليها مالم يتظافر المجتمع اليمني لرفض هذا الحركة التي تعيش في محيط محلي واقليمي ودولي رافض لها فكرياً وسياسياً، حيث ان الغالبية العظمى من اليمنيين حتى في أوساط من يعتنقون المذهب الزيدي نفسه يرفضون هذه الحركة.
وبالتالي فإن الحوثي لن يقبل بالدخول في أي مفاوضات من شأنها تعزيز عملية السلام والاستقرار في البلاد، وسيسعى الحوثي الى تغذية آلة الحرب التي تستهدف اليمنين، وسيمضي في استنزاف اليمنيين وتحقيق مكاسب اقتصادية توظف في تمديد عمر الصراع في اليمن من خلال السيطرة على المنافذ الاقتصادية الهامة في البلاد والمضي في الاستيلاء على أكبر قدر ممكن من الموارد دون تحمله أي أعباء تجاه الخدمات وتجاه حقوق المواطنين.
وفي كل الاحول يجب ان يضع اليمنيين نصب اعينهم ان لا مجال للاستقرار في اليمن الا من خلال السلام العادل، وان من اهم شروط السلام العادل هو انصياع الحوثيين الى صوت العقل لتحقيق السلام من خلال الاتفاق على مرجعيات أساسية يستند اليها الجميع للوصول للسلام، والاتفاق على الية للحوار الوطني بعد ان يتم حل معضلة سلاح الذي بيد الحوثيين والذي يهدد به الجميع، خاصة والجميع يعي ويعرف ان لا سلام ولا حوار مع من يحمل السلاح فوق رؤوس المتحاورين.
نعم ندرك انه ليس من السهل دفع الحوثيين للتخلي عن السلاح مقابل السلام خاصة وان المكاسب الاقتصادية الشخصية التي حققتها القيادات الحوثية ما كان لها ان تتحقق الا بالسلاح الذي سيطروا عليه، وان الاستقرار وتواجد الدولة هو العنوان الكبير الذي تزول معه هذه الحركة.
تقتضي الأهمية رفع مستوى الوعي لدى مختلف الأطراف السياسة التي يمكن ان تنخرط في حوار مع هذه الجماعة، حيث يتميز التعامل مع الأيديولوجيات الخطرة والمتطرفة كحركة الحوثيين بحساسية عالية خاصة وكل اليمنيين قد اكتووا بنار الحوثيين وفقدوا الثقة في حركة الحوثيين الراديكالية العنصرية المتطرفة، ولذا لابد من ان توضع أسس لمخرجات أي حوار مع هذه الحركة ومنها الاتفاق على:
- التجريم الدستوري والقانوني لكل من يدعي او ينادي بالحق الالهي في الولاية أو الادعاء بحصر الحكم والسلطة في فئة او في سلاله او في جماعة او في اسرة.
- وضع تشريعات التي تحرم الدعوات والافكار التي يحملها الحوثيين والتي تتعارض مع كل الممارسات الديموقراطية، ووضع القوانين الصارمة التي تمنع الدعاية والترويج للأفكار المتطرفة، أو تحرض على العنف، مع تجريم الأنشطة الإرهابية اين كان مصدرها.
- سن القوانين التي تتضمن منع الانتخاب والترشح لكل فرد او فئة تنادي الى نشر الأفكار المذهبية المتطرفة، مع تحرم المناصب الحكومية على كل فرد يحمل الفكر الداعي الى حق الولاية، وحظر الانشطة السياسية والتجمعات لهذه الطوائف والافراد حاملي الفكر المتطرف بقوة القانون، وفرض العقوبات على كل فرد او جماعة تتبنى هذه الافكار.
- دفع الحوثيين للتحول إلى حزب سياسي مدني يزاول عمله ومعارضته للنظام علناً وبالوسائل السلمية وتحت مظلة الدستور والنظام والقانون.
- رفع مستوى الوعي بخطورة الفكر الحوثي من خلال التثقيف والتوعية بأسس الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتعزيز التسامح والتنوع الثقافي والديني والمذهبي، مع تشجيع الجماعات الدينية على العمل بما يتوافق مع مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتشجيع الحوار والتعاون بين مختلف المذاهب والثقافات المختلفة.
- حظر التمييز على أساس الدين أو المذهب أو اللون أو الانتماء القبلي أو العرقي أو السلالي، وبما يضمن احترام حقوق الإنسان وحريته وكرامته.
- تعزيز المشاركة السياسية والحرية الدينية والمذهبية في اليمن، وذلك من خلال التثقيف والتوعية والحوار مع الأفراد والجماعات المؤدلجة خاصة جماعة الحوثيين.
- التزام الدولة بعدم ملاحقة رموز الحوثيين وقياداتهم، في إطار العدالة الانتقالية التي تقر ضمن وثيقة السلام والتي تؤسس لإصدار عفو عام يشمل كل من شاركوا في الاحداث في اليمن.
- تعزيز الممارسات الديمقراطية والعدالة والمساواة في النظام السياسي لضمان تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي في اليمن، مع الحفاظ على حقوق الأفراد والحريات الأساسية الدينية والاجتماعية والسياسية.
- تعزيز الحوار السياسي والتوافق على نظام سياسي ديمقراطي عالي الشفافية، وتعزيز الحوكمة الرشيدة والشفافة، مع تعزيز دور القضاء في حماية الدستور وتطبيق القانون، وتحقيق العدالة والمساواة، والحيلولة دون الانزلاق إلى الفوضى والانهيار الأمني.
- إعادة النظر في مضمون المقررات الدينية في المناهج الدراسية، و إعادة صياغتها ضمن معايير علمية بحته وفق رؤية وطنية تضع في الاعتبار امر التسامح والقبول بالآخر ولكل مكونات المجتمع اليمني، و الوقوف بحزم امام تسييس التعليم وأصباغه بالصبغة الدينية المذهبية.
- تقييد التمويل الخاص بحاملي الأفكار الأيديولوجية الخطرة، وخاصة التمويل الخارجي، الذي يستخدم عادة لنشر الأفكار المتطرفة ودعمها، مع ضرورة تعزيز التعاون بين المجتمع المدني والحكومة والأفراد لمواجهة الأيديولوجيات الخطرة ومحاولة إزالة العوامل التي تؤدي إلى تأييد هذه الأفكار، ورفع مستوى التعاون الدولي للتعاون والتنسيق بين الدول للتعامل الأيديولوجيات الخطرة لمكافحة الإرهاب والتطرف.
- توعية المجتمع بأخطار الأفكار المتطرفة والمتشددة، وتعزيز الحوار والتسامح والتعايش السلمي بين الأديان والمذاهب الثقافات المختلفة، مع تعزيز دور وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي والمؤسسات التعليمية والدينية في التوعية والتثقيف والنشر الثقافي، وتحديد مصادر التمويل غير المشروعة التي تدعم الأفكار المتطرفة.
- تحقيق النمو الاقتصادي وتوفير فرص العمل وتحسين معيشة المواطنين، وتشجيع الاستثمار وتوفير الدعم الدولي لتحقيق النمو الاقتصادي وتوفير فرص العمل، وتحقيق التنمية المستدامة وتوفير الأمن الغذائي والصحي والاجتماعي، مع إيلاء اهمية عالية لتحسين الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة والمياه والكهرباء والطرق، وتوفير الخدمات العامة والرعاية الاجتماعية للفئات الأكثر تضررًا.
- إطلاق مشروع إعادة الإعمار في اليمن كعنصر أساسي لتحقيق السلام في اليمن، خاصة وان البنية التحتية قد دمرت بشكل كامل، بحيث تشمل جهود إعادة الإعمار جميع المناطق اليمنية مع إيلاء اهمية عالية للمناطق النائية والتي تحتاج إلى دعم أكبر من الدول المانحة والمنظمات الدولية لتحسين الظروف المعيشية وتوفير الخدمات الأساسية للمدنيين.
علاوة على كل ذلك، يجب على جميع الأطراف السعي للالتزام بحقوق الإنسان والتحقيق من احترامها، وخاصةً حقوق المدنيين، وتجنب استخدام العنف والقتل والتعذيب، وعدم تعريض المدنيين للمعاناة، ويمكن للمجتمع الدولي ان يلعب دور محوري في الضغط على الحوثيين بالذات للالتزام بالمواثيق والعهود التي يقطعونها وتوفير الضمانات الداعمة لأي اتفاق سياسي.
يجب على جميع اليمنيين في الداخل والخارج بذل الجهود المخلصة لتحقيق السلام العادل، والسعي
لتحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية في اليمن، والدفع نحو تبني مجموعة من الإجراءات الرئيسية المعززة للتفاهم والشراكة السياسية مع الحوثيين وتشجيعهم على المشاركة في العملية السياسية بشكل شامل، بما في ذلك الانتخابات والحوارات الوطنية، والعمل على خلق بيئة ملائمة للحوثيين للمشاركة في العملية السياسية، بالإضافة للمحافظة على التواصل المفتوح والشفاف بين جميع الأطراف والعمل على إيجاد حلول مشتركة للقضايا المثيرة للجدل مثل قضية الوحدة واسسها ، والمشاركة في السلطة، واسس توزيع الثروة ، مع التركيز على بناء المؤسسات الحكومية القوية التي تخدم مصالح المواطنين وتحافظ على الاستقرار السياسي والاجتماعي، وتعزيز التنمية الاقتصادية وتوفير فرص العمل وتعزيز الاستثمار، و إدخال تعديلات على القوانين القائمة لتحقيق توازن في السلطات الحكومية و ضمان تنفيذ القوانين بشكل فعال مع تفعيل اللجان المجتمعية المعنية بمتابعة تنفيذ القوانين، و تعزيز التوعية والتثقيف بأهمية الشفافية والمساءلة في الحكومة، ووضع التشريعات المعززة لهذا النهج، مع تشجيع المواطنين على المشاركة الفعالة في العملية السياسية.
قد يبدوا هذا الطرح مألوف، إلا أن تطبيقه بطريقة تتناسب مع الظروف والتحديات الفريدة لليمن يتطلب جهدًا كبيرًا والتزامًا شديدًا من قبل مختلف الفرقاء السياسيين ومن قبل الحكومة والمجتمع المدني والمواطنين.
،، والله من وراء القصد ،،
نبيل حسن الفقيه
8 أبريل 2023م